تفيض منصة تيك توك بمقاطع عن أسواق المال، سواء كانت تعليمية، أم تحليلات للأسهم أو السلع أو العملات الرقمية المشفرة، ولكنها لا تجذب المشاهدين كما تفعل مقاطع الفيديو التي تظهر صفقات مباشرة في أسواق تداول الخيارات الثنائية على مخطط الـ 30 ثانية أوالـ 1 دقيقة، والتي (وكما نرى في تلك المقاطع) تعطي أرباحاً هائلة في دقيقة من الوقت فقط!
أمرٌ مُغرٌ يجذب الشباب على الفور، فهو يعد بتحقيق حلم "الحريّة الماليّة" فيهرع كثيرٌ منهم للتسجيل في تلك المنصات (عبر الرابط الذي يضعه منشئ المحتوى على تيك توك "ويكون اجباري وسنعلم لاحقاً لماذا") ويضعون الأموال في حساباتهم ويبدأون في المقامرة (التداول) على مخططات الدقيقة أو أقل، وماذا سيحدث؟ أنت تعلم.
حلم الثراء وواقع الإفلاس
خلال بضعة أيام (إن لم يكن في اليوم ذاته) سيصفر حساب الشاب الطموح على منصة التداول والكاسب هنا هو: التيك توكر!يغري منشئ المحتوى على تيك توك مشاهديه ويحثهم على التسجيل من خلال رابطه، بل يجبرهم على ذلك لأنه سيعدهم بتقديم توصيات مقامرة (تداول) لهم مجاناً إن سجَّلوا من خلاله، وهذه ليست توصيات مجانيّة، بل المستخدم يدفع ثمنها مسبقاً عبر التسجيل من خلال رابط التيك توكر الذي سينال نصيبه من أموالك بفضل برنامج الإحالة، وفي حالة الخيارات الثنائية فنحن نتحدّث عن أرقام فلكية!
إليكم مثالاً عن وسيط مالي يروّج له الكثير من العرب:
إن أخبرت أي مسوِّق إلكتروني بأن هناك شركة تعطيك ما يصل إلى ثمانون بالمائة سيقول لك أنت تهذي! لأن هناك خللاً ما في هذا الموضوع بالتأكيد (لا أريد أن أعبِر عنه بغير طريقة).في منتصف السنة الماضية، أثارت إحدى الشركات التي كانت تستهدف بلدي في حملتها الدعائية حنقي، ولم أعد أطيق ما تفعله بالشباب فتصدّيت لها بطريقة لا تحمّلني أي مسؤولية قانونياً محاولاً توعية الحالمون دون وعيٍ، والحمدلله يمكنكم قراءة التعليقات التي تثلج القلب على ذلك الفيديو:
واليوم يثير حنقي هؤلاء المسوقون الذين يدّعون أنّهم أصحاب "إستراتيجيات" وخبراء لا يضاهيهم أحد في مجال التداول وما هم في الحقيقية إلّا مقامرون لا أكثر. أقول لك ذلك وأتحدى أحدهم أن يثبت العكس.
إن كانوا قد استحوذوا على فكرك فلن أستطيع لا أنا ولا وغيري تغييره، ولست هنا لأغير فكرك فقط عن هذا الموضوع؛ بل أنا هنا لأستبق ما ستقوله بعد أن تخسر جميع أموالك، وهو الآتي:
التداول مجال دراسة لا يقلّ درجةً عن الطب
أقول لك ذلك لأنني أعلم أنك وبعد محاولات عدة تخسر فيها جميع أموالك ستثير سخطك على هذا المجال وتدّعي أنه مجال عشوائي يعتمد على الحظ فقط.دعني أسألك سؤالاً؛ كيف يشخص الطبيب حالة المريض؟
الطبيب محقق؛ هل هذا يؤلمك؟ كيف تشعر عند قيامك بـ..؟ متى تشعر بالارتياح؟ الخ.. يستجوب الطبيب مريضه ويحلل الأجوبة ويكتب العلاج الذي يعتقد أنه الأكثر ملائمة لحالة هذا المريض.
هذا ما يفعله المحلل: يحقق في المخطط، يضع الاحتمالية ويرجح بعضها فوق بعض، ويتمعّن ويتفحّص إلى أن يخرج باستنتاج بأن هذا القرار في هذا الزمان هو الأكثر ملائمة لهذا السوق.
كلاهما يحقق الغاية ذاتها (الدكتور والمحلل مع إجلالنا واحترامنا للعاملين في مجال الطب)؛ وهي النجاح والفشل. فإن تشافى المريض فهذا خيرٌ، وإن لم يتشافى يعيد الطبيب النظر في حالة مريضه ويحلل من جديد إلى أن يتوصل إلى وسيلة تعالج مريضه بالتمام.
حسناً، إن كان كلاهما ينتهجان نفس الأسلوب التحليلي الذي يتخذ عليه قرار ما، فلماذا يدرس الدكتور 6 سنوات ليكون مؤهلاً للقيام بهذا التحليل، بينما أنت تصبح محلل أكثر خبرةً من البنوك السويسرية من فيديو على تيك توك أو يوتيوب؟
ما هذا السخف؟ ما هذه البربرية؟ ما هذه الطريقة الغبية التي يفكرون بها؟ يريد أن يصبح "وارن بافت" من خلال فيديو على تيك توك؟ ما بك؟ ها؟