أخر الاخبار

من الصحراء إلى الفضاء: سيرة الطفل إكس

من الصحراء إلى الفضاء: سيرة الطفل إكس
في الثامن والعشرين (28) من شهر حزيران عام 1971، ولد طفلٌ في مدينة بريتوريا، في الجزء الشمالى من مقاطعة غوتنغ في جنوب أفريقيا. كان والدهُ مهندساً، ووالدته عارضة أزياء وأخصائيّة تغذية وهو الابن الأكبر للعائلة، له شقيقاً وشقيقةً. كان هذا الطفل يعيش أحلام اليقظة، كأيّ طفلٍ آخر، ولكن ليس بشأن الرجل العنكبوت وسوبرمان، بل بشأن الاختراعات، كان يسرح في ذهنه، في خيالهِ الواسع متناسياً الواقع لدرجة أن والديه طلبوا من أطبائه إجراء فحصاً للتحقق من سلامة سمعه. 

في الصباح، يصحو الطفل ويذهب إلى المدرسة، ولكن المدرسة لم تكن المكان المثاليّ له، فبدلاً من التربية التعليم، كان يتعرض للتنمر في المدرسة. وذات مرّة دفعه زملاؤه إلى أسفل سُلَّم خرسانيّ. وفي إحدى الحالات، تعرض للضرب المبرح لدرجة أنه اضطر إلى الذهاب إلى المستشفى. 

"كِدتُ أن أُضرب حتى الموت." - الطفل إكس.

الرأسماليّة منذ الصغر:

بحثاً عن المال، كان الطفل إكس وشقيقه وأبناء عمومته يتنقلون في الأجزاء الثريّة من بريتوريا، لبيع بيض عيد الفصح بالشوكولاتة (محليّ الصنع). كانت هذه المجموعة المغامرة تنتقل من منزل إلى آخر، وتبيع عليهم الحلويات بعشرين ضعف تكلفة صنعها.

وفقاً لشقيقه، تكلفة صنع البيضة نصف دولار (0.5$)، يبيعوها بعشرة دولارات (10$)، وعند الاستفهام أجاب شقيقه: 

"أنت تدعم شاباً رأسمالياً. والحقيقة أنه إذا لم تشتريه مني، فلن تحصل على واحدة، وأنا أعلم أنه يمكنك تحمُّل عشرة دولارات"

في البيت، لم يكن الطفل هادئاً، على الرغم من كونه أشبه بالأصم، يستغرق في التفكير دون إدراكٍ للضجيج من حوله. مخلوقاً في عالمنا، ولكنه خلق عالم آخر داخل رأسه، وهذا العالم ليس هادئاً، بل دفعه لصنع المتفجرات والصواريخ وأشياء كادت أن تتسبَّب بقتله. قالَ حينما كبر:

"لقد صدمت لأن لديَّ كل أصابعي."

شغف القراءة..

كان طفلاً شغوفاً بالكتب، والتي لعبت دوراً حاسماً في تأجيج طموحاته وإمتاعه. وعن نشأته قال: 

"نشأت بالكتب. والكتب، ثمَّ والديّ."

كان قارئاً بامتياز، قرأ موسوعة بريتانيكا بأكملها في سن التاسعة وكان يتفحص روايات الخيال العلمي والقِصص المصوَّرة والكُتب الواقعيّة لمدَّة تصل إلى عشر ساعات في اليوم. ومن بين الكتب الأكثر تأثيراً التي قرأها: "سيد الخواتم" و "دليل المسافر إلى المجرة" وسلسلة "Foundation" للمؤلف إيزاك أسيموف. لكن الكفاءة الفكرية له لم تقدم له سوى القليل من الخدمات عندما كان طفلاً.

تفكك العائلة..

آلت الحياة إلى طلاق والديه، حينما كان يبلغ من العمر عشر (10) سنين، فأكمل حياته مع والده. ولكنه لم يتوقف عن عمل الأشياء التي يحبّها، بل طوّر اهتماماته وتعلّم كيفية البرمجة، وحين بلغ الثانية عشر من عمره باع أوَّل كودٍ له مقابل 500 دولار أمريكي، وهو كود للعبة اسمها بلاستار (Blastar).

Blastar game created by Elon Musk

ثأر الطفولة..

كان الطفل قصيرُ القامةِ، منطويّ الشخصيّة، ضحيةً للتنمر، ولكنه حين بلغ الخامسة عشر (15) من عمره، خاض طفرة في النموّ وتعلَّم كيفية الدفاع عن نفسه بالكاراتيه والجودو والمصارعة. وبعد مضيّ سنة (بلغ 16 عام)، عاد الطفل ليأخذ بثأره ممن كانوا يضربوه بنفس القدر من القوة. طفلنا عادل، يسبب الأضرار بقدر الضرر الذي لحق به.

أمضى الطفل طفولته المبكرة مع شقيقه كيمبال وشقيقته توسكا في جنوب إفريقيا، ولكن بعد سنة، حين بلغ السابعة عشر (17)، (في عام 1989)، قرر الانتقال إلى كندا للالتحاق بجامعة كوينز وتجنُب الخدمة الإلزاميّة في جيش جنوب إفريقيا. وحصل على جنسيته الكندية في ذلك العام، وكان يشعر أنه سيكون من الأسهل له الحصول على الجنسية الأمريكية عبر هذا المسار. 

الطريق إلى أمريكا..

وبعد ثلاثة أعوام (في عام 1992)، غادر هذا الطفل كندا لدراسة الأعمال والفيزياء في جامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة الأمريكيّة)، وتخرَّج بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد وبقيّ له درجة البكالوريوس الثانية في الفيزياء.

وبعد مغادرة جامعة بنسلفانيا، توجَّه إلى جامعة ستانفورد في كاليفورنيا لنيلِ درجة الدكتوراه في فيزياء الطاقة. ولكنه ترك جامعة ستانفورد بعد يومين فقط من التحاقه فيها. كان توقيت تحرّكه مثاليّ مع ازدهار الإنترنت، وأطلق شركته الأولى التي تسمّى Zip2 Corporation في عام 1995. وأصبح مواطناً أمريكياً في عام 2002.

إنّه الطفل إكس!

هذا الطفل هو إيلون ماسك، وهذه قصَّة طفولته، ليست مثاليّة أو ورديّة بالطبع، بل على العكس من ذلك كانت قاسية جداً. ولكن بعد تلك القسوة، هنالك تاريخٌ عظيم سيدوّنه هذا الطفل الصغير، انطلاقاً من الأرض، إلى الفضاء الواسع، بين الكواكب وفوق مدار الأرض وأسفل سطح الأرض وأعلى أسقف المنازل. تاريخ يبدأ من شركة بسيطة، ويمتد إلى عالم لا نهائي (الفضاء).

هنا بدأت الحكاية: بوَّابة عالم الأعمال:

"البساطة" من حيث الوضع المالي لطالما كانت ولّادة لكبرى الشركات، أُنظر إلى آبل وجوجل وشركة HP ومايكروسوفت وأمازون، جميعها شركات كبرى قيمتها السوقيّة بالمليارات والتريليونات من الدولارات، كلها بدأت من مرآب السيارة. لنا مع المرائب قصصاً كثيرة، انبثقت لنا منها كبرى الشركات العالميّة اليوم. نحن ندين بالكثير للمرائب التي دفعت عجلة التكنولوجيا ووفرت لنا التقدّم الحضاريّ والتعزيز الإنتاجيّ وسهَّلة علينا الحياة كثيراً ووفرت لنا ما كان يُعدُّ سحراً قبل بضعة عقود.

Elon Musk: Between childhood and now

شركات ومشاريع إيلون ماسك

1. شركة Zip2

Zip2 - Founded by Elon Musk
أطلق ماسك شركته الأولى Zip2 Corporation، في عام 1995 مع شقيقه كيمبال ماسك وصديقه غريغوري كوري، كشريكين. فشل ماسك في إقناع المستثمرين بمنحهم التمويل، وعاش ماسك وشركاؤه في مكاتبهم لعدم قدرتهم على دفع التكاليف. 

"عندما بدأنا أنا وأخي شركتنا الأولى، بدلاً من أن نستأجر شقة، استأجرنا مكتباً صغيراً ونمنا على الأريكة". - إيلون ماسك، في خطاب افتتاح عام 2014 في جامعة جنوب كاليفورنيا.

وفي أوائل عام 1996، وافقت شركة Mohr Davidow Ventures على استثمار حوالي ثلاثة (3) ملايين دولار في Zip2 مقابل ملكية الأغلبية. وتم استبدال إيلون ماسك كرئيس تنفيذي برجل أعمال أكثر خبرة، وهو ريتشارد سوركين، لكن ماسك ظلَّ نائب الرئيس التنفيذي ورئيس قسم التكنولوجيا.

تحت إدارة سوركين، بدأت شركة Zip2 في تقديم خدمتها للصحف، وكانت نيويورك تايمز من أوائل العملاء، وتبعها العديد من الصحف الكبرى. توسّعت الشركة وتضمّنت دليلاً للفنون والترفيه وأدلة محددة لفئات مختلفة من الشركات، فضلاً عن الأماكن. ولكن ماسك لم يكن مرتاحاً مع سياسات سوركين التجاريّة، عندما رتَّب في عام 1998 اندماج Zip2 مع شركة CitySearch، التي تقدم خدمة مماثلة. ثار ماسك على سوركين، وأطاح به من منصب الرئيس التنفيذي، وتولّى ديريك بروديان المنصب. وبعد مضيّ عامٍ واحد (1999)، اشترت شركة شركة كومباك للحاسوب (Compaq Computer Corp) شركة Zip2 مقابل 307 ملايين دولار، وأصبحت شركة Zip2 جزء من محرك البحث ألتا فيستا (AltaVista) الذي كان من أشهر محركات البحث في التسعينيات من القرن الماضي. تمّت إضافة أدلّة المدن التي تمتلكها شركة Zip2 إلى محرك البحث AltaVista.

"إن الدرس الذي يجب تعلّمه، هو أنَّك بحاجة إلى العمل بجهد خارق". - إيلون ماسك.

2. باي بال

X.com - Paypal.com
في العام ذاته (1999)، استخدم إيلون وكيمبال الأموال من صفقة بيع شركة Zip2 لتأسيس شركة جديدة باسم X.com.

 تصور ماسك الشركة كموقع خدمات مصرفيّة واستثماريّة واسعة النطاق تقدِّم كل شيء من الحسابات الجارية إلى خدمات التأمين والرهن العقاري الإقراض والسندات. وجذب بعض الخبرات إلى الشركة؛ عيَّن المصرفي الاستثماري جون ستوري كنائب الرئيس التنفيذي، وعيَّن المدير التنفيذي السابق لشركة Intuit Corp بيل هاريس كرئيس ومدير تنفيذي. وتولى ماسك منصب رئيس مجلس الإدارة. في المجمل، وظفت الشركة خمسة عشر (15) موظفاً عندما بدأ تشغيل الموقع.

كانت الشركة من أولى المواقع المصرفية عبر الإنترنت منذ إطلاقها في كانون الأوّل من عام 1999. وسعياً لجذب عملاء جدد، قدّمت عرض: 20 دولاراً هديّة لأيّ شخص يفتح حساباً مجانياً على الإنترنت. وكل عضو يقوم بجذب عملاء جدد، يحصل على 10 دولار مقابل كل عميل جديد.

في غضون شهرين، حصل موقع X.com على 100،000 عميل، وهو رقمٌ كبير مقارنةً بـ Etrade Telebank، أكبر بنك قائم على شبكة الويب العالمية كان يمتلك 130،000 عميل فقط. عملت الحوافز النقديّة التي قدّمتها شركة إيلون ماسك في البداية، ولكنها لم تكن كافية لتخفيف مخاوف المستهلكين بشأن الخدمات المصرفيّة الافتراضيّة، لا سيما بعد أن أُجبرت شركة X.com على الاعتراف بأن تصميم موقعها الأوّلي قد سمح بعمليات الاحتيال. مما تطلب بضعة إجراءات من الشركة لإعادة التوازن وتعزيز الثقة وحل المشاكل وتجنب حدوثها مجدداً.

وفي شهر آذار من العام التالي (عام 2000)، اندمجت X.com مع شركة PayPal، مع الاحتفاظ باسم X.com. في ذلك الوقت، كانت شركة بايبال تجذب ما يقرب من 15000 عميل جديد يومياً من خلال خدمات الدفع P2P. وللتسجيل فيها، طُلب من زوار الموقع ببساطة إدخال الاسم ورقم الهاتف وعنوان المنزل وعنوان البريد الإلكتروني. بعد ذلك، يتمكّن الأعضاء من إرسال الأموال عبر البريد الإلكتروني إلى أي صاحب حساب آخر.

في شهر حزيران من ذات العام، وسّعت X.com خدمات بايبال للسماح للمدفوعات بين الشركات والمستهلكين (B2C).

كانت الأوضاع جيّدة والمنافسة قائمة مع الشركات الأخرى وزاد عدد عملاء P2P وتتجاوز ثلاثة (3) ملايين عميل في شهر آب (أغسطس). ولكن الشركة كانت متعطشة للتوسّع، وبعد الاستحواذ الكبير على سوق P2P، بدأت بالتركيز على مدفوعات الشركات (B2B). وهنا أبرمت صفقة مع شركة BuyLink Corp، التي توفر سوقاً عبر الإنترنت مقره سان فرانسيسكو يخدم ما يقرب من 8300 تاجر تجزئة و 3000 مصنع. باستخدام خدمة بايبال، تمكّن مستخدمو شركة BuyLink من إجراء مدفوعات فورية لبعضهم البعض. ولكن حدثت الأمور السلبيّة عندما واجهت الشركة فشل 125 من مستخدمي بايبال الذين اشتروا محركات أقراص ثابتة للكمبيوتر في مزاد عبر الإنترنت ولم يحصلوا على ما اشتروه. هنا دُفعت X.com إلى البدء في تقديم الحماية من الاحتيال، على غرار الحماية التي تقدمها شركات بطاقات الائتمان. وضعت الشركة دليل للأعضاء (المشترين) يسمح لهم بالتحقق من البائعين، الموثوق منهم سيظهر أنه تمّت مراجعته بواسطة X.com.

وبعد عمل كبير، وتحالفات متعدّدة، غيرت X.com اسمها رسمياً إلى PayPal. وبدأت جهود التوسع الدوليّة، والتي تضمّنت السماح لمستخدمي الإنترنت خارج الولايات المتحدة بفتح حسابات بايبال في أواخر عام 2000. وبحلول شهر آذار من عام 2001، وسَّعت الشركة نطاق وصولها إلى 26 دولة.

وبعد مضيّ عام (2002)، في شهر تشرين الأوّل، أتت شركة التجارة الإلكترونية eBay، واستحوذت على بايبال مقابل مليار ونصف (1.5) دولار، حصل ماسك على مليارٍ منها.

Elon Musk X.com Bank Card

في عام 2017، اشترى ماسك النطاق X.com مرة أخرى من بايبال، لقيمته العاطفية لديه، فكان يمثّل أوّل شركة بدأها.

3. سبيس إكس

SpaceX company logo
بعد أن استحوذت eBay على شركة بايبال منه، أسَّس ماسك شركته الثالثة في العام ذاته (2002)، وهيّ شركة سبيس إكسبلوريشن تكنولوجيز (Space Exploration Technologies Corporation)، أو سبيس إكس (SpaceX)، بهدف جعل رِحلات الفضاء بأسعار معقولة، وحلم استعمار كوكب المريخ.

قبل ذلك، حاول ماسك شراء صواريخ رخيصة من روسيا، ولكنّه عاد خالي اليدين، لم يبيعوا له وهذا لا بأس به. الرفض أمر طبيعي ووارد في أيّ مفاوضات، ولكن روسيا فعلت مع ماسك شيء أفظع من ذلك بكثير. 

يروي جيم كانتريل أحد أعضاء الفريق المؤسس لشركة سبيس إكس كيف أن أحد مصمِّمي الصواريخ الروسيَّة قام بالبصق على حذاء ماسك وكانتريل وهو يقول:

"هذه الصواريخ بتصميمات عسكريَّة وليست للبيع لملياردير رأسمالي."

عاد ماسك، وخلال عودته أدرك إمكانية إِنشاء شركة لصُنع الصَّواريخ بأسعار معقولة. رأى ماسك إن تكلفة إنشاء صاروخ، تمثِّل ثلاثة بالمائة (3%) من تكلفة صنعهِ فقط. وهنا بدأت رحلة البحث عن الموظَّفين، دَعى ماسك مهندس الصَّواريخ توم مولر ليصبح شريكه في العمل، ونال موافقته. وِلدت لنا شركة سبيس إكس.

في عام 2005 كان في سبيس إكس 160 موظَّفاً فقط، وفي عام 2020 باتوا 8000 موظَّف. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت قراراً تنظيمياً بمنع توظيف غير الأمريكيين، لأنَّ الحكومة الأمريكيّة نظَّمت تكنولوجيا الصواريخ باعتبارها تقنية أسلحة متقدمة.

دخلت سبيس إكس للمنافسة بصاروخ فالكون 1، وهذا الصاروخ يعمل بالوقود السائل، وعندما أطلقته باتت سبيس إكس أوّل شركة خاصّة تطلق صاروخ يعمل بهذا النوع من الوقود. وكان صاروخ فالكون 1 أرخص بكثير في البناء والتشغيل من صواريخ الشركات المنافسة. وكانت سبيس إكس أوّل شركة خاصَّة تطلق بنجاح وتعيد مركبة فضائية إلى ومن مدار الأرض. وهيّ أوّل شركة خاصّة تطلق مركبة فضائية مأهولة بروّاد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية (ISS). كما حقَّقت أول إقلاعٍ وهبوطٍ عموديّ لصاروخ مداري، وهيَّ أوّل شركة تعيد استخدام صاروخ مداري.

  • فالكون 1

في الرابع والعشرين من شهرِ آذار عام 2006: أنظارٌ وآمالٌ موجَّهة نحو السماء، هذا اليوم هو اليوم الذي عملت سبيس إكس طويلاً للوصول إليه. إطلاق الصاروخ فالكون 1 لأوّل مرّة. بدأ الإقلاع ولكن الوقود تسرّب، والمحرّك احترق، وسقط الصاروخ وتحطَّم. باءت أوّل محاولات إيلون ماسك بالفشل.

في الواحد والعشرين من شهر آذار 2007: إيلون وطاقمه يستعدُّون للمحاولة الثانيّة. حان وقت الإطلاق وبالفعل بدأ الإطلاق الثاني. يشاهد إيلون صاروخه يرتفع في السماء ويحرق المرحلة الأولى وينتقل إلى المرحلة الثانية، ولكن الصاروخ يفشل في الوصول إلى المدار. الصاروخ يفشل في استعادة المرحلة الأولى. فشل الإطلاق برمَّتهِ.

الثالث من شهر آب 2008: يكره رجال الأعمال هذا العام، والحكومات أيضاً، فهذا عام الأزمة الماليّة العالميّة. عام الإفلاس والتفكيك، تستعد فيه سبيس إكس لمحاولتها الثالثة على أمل النجاح.

"نسمع من مركز التحكم في الإطلاق أنه كان هناك شذوذ في المركبة." - ماكس، مدير مهمة سبيس إكس.

فشل الإطلاق الثالث على التوالي.

"كان هناك ابتهاج كبير عندما شاهدنا المرحلة الأولى، والتي كانت مثاليّة تماماً للصور. ثم كان هناك قلق عندما علمنا أن شيئاً ما قد حدث في مرحلة الانفصال." - ديان ميرفي، نائبة رئيس التسويق والاتصالات في سبيس إكس.

"لدينا العزم ولدينا القاعدة المالية ولدينا الخبرة لتحديد سبب المشكلة وسنمضي قدماً."- ديان ميرفي.

أمّا إيلون سيِّء الحظ لثلاث مراتٍ متتالية، قال:

"لسوء الحظ، حدثت مشكلة في فصل المرحلة، مما أدّى إلى عقد المراحل معاً. هذا قيد التحقيق." - إيلون.

وقال في بيان:

"على الجانب الإيجابي، كانت رحلة المرحلة الأولى بمحرك ميرلين 1 سي المتجدد الجديد الذي سيتم استخدامه في فالكون 9 مثالية."

"سيستمر تطوير فالكون 9 أيضاً بلا هوادة، مع مراعاة الدروس المستفادة من فالكون 1". - إيلون ماسك.

لا وجود لليأس، رغم تعرضه إلى غارة الفشل المتتالي ثلاث مرّات، أبقى دفاعه متماسكاً طوال عامين. لا يملّ أو يكلّ من المحاولة طالما يحرز تقدّماً ولو كان ضئيلاً. لن يتوقّف. سيفعلها.

الثامن والعشرين من شهر أيلول 2008: مبدئياً كان الإطلاق مقرراً في 23-25 أيلول، ولكنه تأجَّل إلى يوم 28. الصاروخ يحمل حمولة معدنيّة تزن 165 كيلوغرام (محاكاةً لحمولة القمر RazakSAT الذي يصل وزنه إلى 190 كيلوغرام، المسمّى على اسم رئيس وزراء ماليزيا الثاني الراحل تون عبد الرزاق حسين، والذي سيطلقه ماسك إلى المدار). الإطلاق ينجح.

نجح الصاروخ الذي يبلغ طوله 70 قدماً في تسليم قطعة كبيرة من الألمنيوم يبلغ وزنها 165 كيلوغرام يُطلق عليها اسم "Ratsat" إلى المدار في الرحلة الرابعة، منهياً سلسلة من ثلاث إخفاقات متتالية.

عمَّ السرور قلوب الجميع. نجحت سبيس إكس التي بنت نفسها من الصفر.

"إنه لأمرٌ رائع أن أرفع هذا القرد العملاق عن ظهري. لقد مرَّت ستِ سنواتٍ من الجهد المكثف للغاية وبعض الحلقات المؤلمة جداً خلال عمليات الإطلاق السابقة. العاطفة التي أشعر بها هي راحة أكثر بكثير من الابتهاج." - إيلون ماسك.

بعد الإطلاق، تحدّث ماسك إلى حشد من الموظفين، وقال لهم:

"لقد صنعنا المدار بفضل العمل الشاق الذي قامت به سبيس إكس وجميعكم يا رفاق".

بدا ماسك عاجزاً عن الكلام خلال خطابه، وقال أن الفوضى انتشرت في نظامه العصبي بسبب الإطلاق الناجح.

صمَّمت سبيس إكس وطوّرت كل شيء، من الألف إلى الياء، ورسمت جميع القطع على ورقة بيضاء واختبرت كل شيء داخلياً ولم تستعِن بمصادر خارجيّة. ويقدّر أن ماسك استثمر حوالي مائة (100) مليون دولار في صاروخ فالكون 1.

"هناك الكثير من الناس الذين اعتقدوا أننا لا نستطيع فعل ذلك، ولكن كما يقول المثل، المرَّة الرابعة هيَّ السحر" - إيلون ماسك.

الرابع عشر من شهر تموز 2009: خامس رحلة لصاروخ فالكون 1، وهذه المرّة يحمل القمر الصناعي الماليزي معه (RazakSAT). نجحت سبيس إكس للمرّة الثانية على التوالي، بعد ثلاث محاولات فاشلة متتاليّة في السابق. كان من المفترض إطلاق القمر على متن رحلة فالكون 1 الرابعة. ولكن ماسك تعهد بإكمال رحلة تجريبية ناجحة للصاروخ الجديد قبل وضع القمر الصناعي الماليزي عليه.

الآن ستوجه سبيس إكس تركيزها إلى صاروخها الجديد الأكبر حجماً؛ فالكون 9.

  • فالكون 9

الثاني والعشرين من شهر مايو 2012: دخل إيلون ماسك وشركته سبيس إكس التاريخ عندما أطلقت الشركة صاروخها فالكون 9 في الفضاء بكبسولة بدون طيار. تم إرسال المركبة إلى محطَّة الفضاء الدوليّة ومعها 1000 رطل من الإمدادات لرواد الفضاء المتمركزين هناك. وبالتالي أصبحت سبيس إكس أوّل شركة خاصَّة تُرسل مركبة فضائية إلى محطَّة الفضاء الدوليّة.

عبَّر ماسك عن فرحته بهذا الإنجاز قائلاً:

"أشعر بأنَّني محظوظاً جداً.. بالنسبة لنا، الأمر أشبه بالفوز بلقب سوبر بول."

كانون الأول 2013: حمل صاروخ فالكون 9 بنجاح قمراً صناعياً إلى مدار نقل متزامن مع الأرض، وهي المسافة التي سيغلق فيها القمر الصناعي مساراً مدارياً يطابق دوران الأرض. 

شباط 2015: أطلقت سبيس إكس صاروخ فالكون 9 آخر مزوداً بقمر مرصد مناخ الفضاء العميق (DSCOVR)، والذي يهدف إلى مراقبة الانبعاثات الشديدة من الشمس التي تؤثر على شبكات الطاقة وأنظمة الاتصالات على الأرض.

آذار 2017: شهدت شركة سبيس إكس رحلة تجريبية ناجحة وهبوطاً ناجحاً لصاروخ فالكون 9 المصنوع من أجزاء قابلة لإعادة الاستخدام، وهذا التطور فتح الباب أمام السفر إلى الفضاء بتكلفة أرخص.

تشرين الثاني 2017: حدثت انتكاسة كبيرة لشركة سبيس إكس عندما وقع انفجار أثناء اختبار محرك الشركة الجديد بلوك 5 ميرلين. لحسن الحظ، ذكرت الشركة أنه لم يُصب أحداً، وأن هذه القضية لن تُعرقل طرحها المخطط لجيل مستقبلي من صواريخ فالكون 9.

شباط 2018: الإطلاق التجريبي الناجح لصاروخ فالكون الثقيل (Falcon Heavy). وهو صاروخاً مسلحاً بمزيداً من التعزيزات الإضافية من طراز فالكون 9 العادي. تم تصميم هذا الصاروخ الكبير لنقل الحمولات الهائلة إلى المدار ومن المحتمل أن يكون بمثابة سفينة لمهام الفضاء السحيق. 

للإطلاق التجريبي، تم تزويد صاروخ فالكون الثقيل بحمولة وإطلاقه، وهذه ليست صفيحة معدنيّة عملاقة، بل سيارة Tesla Roadster. 

في شهر آذار من عام 2017، قال ماسك أنه نظراً لأن إطلاق صاروخ فالكون الثقيل الجديد سيكون محفوفاً بالمخاطر، فسيحمل على متنه "أسخف ما يمكننا تخيله". اقترح أحد متابعيه على تويتر أن تكون تلك الحمولة سيارة تيسلا طراز إس، ورد ماسك عليه قائلاً "نرحب بالاقتراحات!". وفي كانون الأوّل من عام 2017، أعلن أن الحمولة ستكون سيارته تيسلا رودستر كرزية اللون، وأُجلست دمية ترتدي بدلة فضاء تُسمى "ستارمان" على مقعد السائق. وبعد الإطلاق الناجح، أصبحت سيارة تيسلا رودستر أوّل مركبة طُرقات تُرسل إلى الفضاء.

تموز 2018: الفرح يعمُّ القلوب والعقول، بعد الهبوط الناجح لصاروخ جديد من طراز Block 5 Falcon، والذي هبط على متن سفينة بدون طيار بعد أقل من 9 دقائق من الإقلاع.

سطَّر ماسك نجاحاته واحداً تلو الآخر، وجعل من الوصول إلى الفضاء أمراً سهلاً بتكلفةً أرخص مما كان عليه. أما الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، فقد كانت نجاحاً غير مسبوقاً تماماً. دخلت سبيس إكس التاريخ بقيادة ماسك.

  • غزوُّ المريخ..

أيلول 2017: قدَّم ماسك تصميم محدَّث لصاروخ BFR (اختصاراً لـ Big Falcon Rocket)، وهو صاروخ عملاق يضمّ 31 محركاً تعلوه سفينة فضاء قادرة على حمل ما لا يقل عن 100 شخص. وكشف أن سبيس إكس تهدف إلى إطلاق أولى بعثات الشحن إلى المريخ بالمركبة في عام 2022، كجزء من هدفه الشامل المتمثل في استعمار الكوكب الأحمر.

آذار 2018: أعرب ماسك عن أملهِ في أن يكون صاروخ BFR جاهزاً للرحلات القصيرة في وقت مبكر من العام التالي.

وفي الشهر التالي، أُعلن أن سبيس إكس ستبني منشأة في ميناء لوس أنجلوس لبناء صاروخ BFR. 

لاحقاً، أعلن ماسك تغيير الاسم إلى ستارشيب (Starship) في الشهر الحادي عشر من العام ذاته (2018).

  • مركبة دراجون 2

طوّرت سبيس إكس خلفاً لمركبة الحمولة دراجون 1، وهيّ دراجون 2 القابلة لإعادة الاستخدام. يمكن لهذه المركبة أن ترصف نفسها إلى محطة الفضاء الدوليّة في مقابل الإرساء. وتتوفر بإصدارين: كرو دراجون وكارجو دراجون.

مركبة كرو دراجون يمكنها نقل 7 رواد فضاء معاً، والنوع الثاني كارجو دراجون، هيّ بديل محدَّث لمركبة دراجون الأصلية.

30 مايو 2020: مضت تسعِ (9) سنوات على إطلاق مهمَّة بشريَّة بمركبة وصاروخ أمريكيين من أرض أمريكيَّة، ستقوم بها سبيس إكس الآن بإطلاقها أوّل مهمَّة مأهولة لمركبة دراجون 2، وسُمِّيت بـ "كرو دراجون ديمو 2"، وعلى متنها رائدا الفضاء الأمريكيين روبرت إل. بنكن، ودوجلاس جي. هارلي. 

10 نوفمبر 2020: إنَّهُ يومٌ مُفرح، صادقت ناسا بالكامل على استخدام مركبة كرو دراجون وصاروخ فالكون 9 والأنظمة الأرضية المرتبطة بهما كأوَّل نظام إطلاقٍ تجاريّ في التاريخ قادر على نقل البشر من وإلى محطة الفضاء الدولية.

منجزات إيلون ماسك وسبيس إكس على مدى ثلاثة عشر (13) سنة:

التاريخ الإنجاز الرِحلة
28 سبتمبر 2008 إِطلاق أوَّل صاروخٍ يعمل بالوقود السائل بتمويل من القطاع الخاص ووصوله إلى المدار. فالكون 1 الرحلة الرابعة
14 يوليو 2009 تَطْوير أوَّل صاروخٍ يعمل بالوقود السائل لنقلِ قمراً صِناعيّاً تجارياً إلى المدار. رزاق سات على فالكون 1 الرحلة الخامسة
9 ديسمبر 2010 أوَّل شركة خاصَّة تُطلق مركبة فضائية إلى المدار وتستعيدها بنجاح. مركبة دراجون في رحلة سبيس إكس كوتس التجريبية 1
25 مايو 2012 أوَّل شركةٍ خاصَّة تُرسل مركبةً فضائيَّة إلى محطة الفضاء الدوليّة. رحلة سبيس إكس كوتس التجريبية 2
22 ديسمبر 2015 أوَّل هبوطاً لصاروخاً مداريّاً على الأرض. فالكون 9 الرحلة رقم 20
8 أبريل 2016 أوَّل هبوطاً لصاروخاً مداريّاً على منَصَّة في المحيط. فالكون 9 الرحلة رقم 23
30 مارس 2017 أوَّل إعادة إِطلاق وهبوط للمرحلة الأولى المداريَّة المُستخدمة. أوَّل طيران عكسي متحكم به واستعادة غطاء الحمولة. فالكون 9 الرحلة رقم 32
3 يونيو 2017 أوَّل إعادة طيران لمركبة فضائية تجاريَّة. مركبة دراجون C106 في مهمة سبيس إكس CRS-11
6 فبراير 2018 إِطلاق أوَّل مركبة فضائية خاصَّة إلى مدار حول الشمس. سيّارة تيسلا رودستر في رحلة اختبار فالكون الثقيل
2 مارس 2019 أوَّل شركة خاصَّة ترسل مركبة فضائية ذات تصنيف بشري إلى الفضاء. فالكون 9 الرحلة رقم 69
3 مارس 2019 أوَّل شركة خاصَّة ترسل بشكلٍ مستقل مركبة فضائية لترسو في محطة الفضاء الدوليَّة. طاقم دراجون ديمو-1، في فالكون 9 الرحلة رقم 69
25 يوليو 2019 أوَّل استخدامٍ لمحرك دورة احتراق مرحلي كامل التدفق في مركبة طيران حرة (يُمكن إعادة استِخدام المحرك 1000 مرة). ستار هوبر
11 نوفمبر 2019 أوَّل إعادة استخدام لغطاء الحمولة. إِطلاق أقمار ستارلينك 1 في صاروخ فالكون 9
30 مايو 2020 أوَّل شركةً خاصَّة ترسل أشخاصاً إلى المدار. طاقم دراغون التجريبي-2
31 مايو 2020 أوَّل شركةً خاصَّة ترسل طاقماً بشريّاً إلى محطة الفضاء الدوليّة. طاقم دراغون التجريبي-2
24 يناير 2021 إِطلاق مركبة فضائية تحمل 143 قمراً صِناعيّاً إلى الفضاء. فالكون 9
تحويل ثاني أكسيد الكربون من الجو إلى وقود للصواريخ

الغازات الدفيئة تُعدّ اليوم مشكلةً كبيرة، بسببها ارتفعت درجة حرارة الأرض، ومن دون هذا الاحتباس الحراري سيكون متوسط درجة حرارة سطح الأرض حوالي -18 درجة مئوية عوضاً عن المتوسط الحالي البالغ 15 درجة مئوية.

تراكم الأكاسيد الكربونية والنيتروجينية في طبقةِ الاستراتوسفير، وتعيق نفاذ الأشعة الشمسية المنعكسة من سطح الأرض إلى الفضاء الخارجي، وتمتص الأشعة تحت الحمراء وتبقيها حبيسةً في الغلاف الجوي مما يرفع درجة حرارة الأرض ويشكل خطراً كبيراً على المناخ والبيئة والصحة. 

السبب الرئيسي وراء هذه المشكلة هو نحن البشر. كانت نسب الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ثابتة تقريباً إلى حين بدء الثورة الصناعية في عام 1750. منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، تقدِّر الإحصاءات أن نسبة الغازات الدفيئة ارتفعت بحوالي 45% في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون عن احتراق الوقود الأحفوري وخاصة الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي. ماسك يرغب بتغيير هذا. 

عرِفنا عنه الجنون الفكريّ، ولكنه يوظّفه لتحقيق أشياء مفيدة للجميع وليس فقط لمنافعه الشخصيّة. هذه المرة يريد تحويل الاحتباس الحراري من شيء ضار إلى نافع.

أعلن ماسك في الثالث عشر من شهر ديسمبر من عام 2021، عن برنامجاً لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي واستخدامه في تشغيل صواريخ الفضاء. تعتمد هذه المبادرة الجديدة من ماسك وسبيس إكس على تقنية التقاط الهواء المباشر، والتي ما تزال في مراحل تطويرها الأولى.

  • الوفاء للخيال..

عن الوفاء، قدَّر المؤلّفات الخياليّة التي كان يقرأها وخلّدها في سبيس إكس، فاستعان بتسميتين من رواية "بلاير أوف جيمز" للمؤلِّف إيان بانكس واطلقهما على سفن الطائرات بدون طيار. سمّى واحدة "Of Course I Still Love You" والأخرى "Just Read the Instructions"، على اسامي السفن في الرواية.

وسمّى أوّل سفينة ستنقل البشر إلى المريخ باسم "Heart of Gold"، وهذه التسمية مستوحاة من "دليل المسافر إلى المجرّة" للمؤلف دوغلاس آدمز.

  • شكراً روسيا..

"الأهم بالنسبة لي أن تصبح الولايات المتحدة قادرة على إرسال رواد الفضاء لمحطة الفضاء الدولية ثانيةً، بعدما فقدنا هذه القدرة بعد إيقاف برنامج مكوكات الفضاء.. ليس من صالحنا أن نكون تحت رحمة بوتين." - إيلون في تصريح عام 2017.

من الجيّدِ أن روسيا رفضت بيع الصواريخ له، هذا المهووس لا تنفد طاقته ولا يتراجع لسحب انفاسه وترتيب أوراقه. علّم نفسه البرمجة، أطلق لعبتهُ الخاصّه، أسَّسَ خدمته الماليّة، ولكن نجاحات الأرض لا تكفي، لا بدّ له من اختراق السماء وتغيير الأرض وفتحِ أفقٍ جديدة للحياة البشريّة.

صواريخه أرخص من صواريخ وكالة ناسا ووكالة الفضاء الاتحادية الروسيَّة (روسكوزموس)، وأداءها سليم، وقابلة لإعادة الاستخدام. أليس من الجيّد أن روسيا رفضته؟

  • عن نومه..

ينام أينما اقتضت الحاجة، كالمصانع، ولا يغفو أكثر من ستِّ ساعات، فقد جرّب النوم أقل منها ولكنه رأى تأثراً في الإنتاجيّة فعاد إلى معدّل ستِّ ساعات. هذه ليست صفات التواضع، إنَّها صفات القائد.

قائد يعمل على جعل الحياة على المريخ واقعاً، على الرغم من إن الكثير منّا يراها خيالاً واسعاً، كما هو الحال مع الصواريخ التي تذهب إلى الفضاء وتعود إلى الأرض وتهبط بدقّة عاليّة دون أجنحة. لقد كانت خيالاً.

مخيلته واسعة، ولكن إنجازاته فريدة. شخصيته غريبة، ولكنها حقَّقت نجاحات مذهلة انتهت به أغنى رجل في العالم رغم أنه لم يكن يولي اهتمام لقائمة الأغنياء، فقد أولى تركيزه نحو المستقبل والفضاء، وليس قائمة أثرى الأثرياء.

4. تسلا

سيِّدِ الطُرقاتِ الخَضراء.

سيِّدِ الصواريخ لقباً لا يكفيه، على الرغم من أن المؤشرات آنذاك لم تكن تعلِّم على نجاحاته في الصواريخ فقد كانت ضرباً من الجنون ليس إلا. لكن ماسك وكأنه يعلم بأنه سيكون الماستر يوماً ما، كل ما عليه عمله هو العمل.

يرغب بأن يصبح سيد الطرقات الخضرة الخالية من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون، فلم تعد الأرض تحتمل كمِّية الانبعاثات التي تتجمع فوقنا وترفع من حرارة أرضنا. سيتخطَّى سيِّد الطرقات الخضرة الوقود الأحفوري، عوضاً عنها سيكون وقود سياراته الطاقة المخزَّنة في البطاريات. هذه الميزة الأولى، ولكن الثانية أكثر جرأة بكثير.

يقود الإنسان السيّارة وهو معتمداً بالدرجة الأساس على عينيه، فبناءاً على ما ينظر تخذ القرارات؛ زيادة وخفض السرعة والوقوف لدى إشارات المرور الحمراء، والانعطاف وركن السيارة، كلها تتم بالدرجة الأساس عبر النظر أوّلاً. ماسك يريد سياراته كالإنسان؛ تُبصِر وتقرر بناءاً على بصرها. يُريد سيارات تسلا أن تُغني سائقها عن القيّام بأيِّ شيء سوى الجلوس والاستمتاع خلف عجلة القيادة بينما تقله سيارته إلى وجهتهِ دون تدخلٌ منه على الإطلاق. كلامٌ خيالي يليق بروايةً وليس عقلاً بشرياً، ضربٌ من الجنون، ولكن مهلاً، ماسك مجنونٌ أيضاً.

  • بداية تسلا..

لم تكُن تسلا من تأسيس ماسك، بل من قام بتأسيسها هما مارتن إبرهارد ومارك تاربنينغ، وكان اسمها تسلا موتورز، وسُمِّيت الشركة بهذا الاسم تيمُّناً باسم المخترع والكهربائي والفيزيائي الصربي الشهير نيكولا تسلا. أسَّسوا شركتهم بعد قيام جنرال موتورز بسحبِ جميع سياراتها الكهربائيّة EV1 في عام 2003. فانبثقت تسلا موتورز في 1 يوليو 2003.

  • البحث عن التمويل..

حينما بدؤوا بجمع أوّل تمويل للشركة، والذي كان مجموعه 7.5 مليون دولار، قاده ماسك وساهم بـ 6.5 مليون دولار. بات ماسك المالك الأكبر لأسهمها، ورئيس مجلس إدارتها.

كان ماسك نشطاً داخل الشركة وليس مستثمراً جالساً ينتظر الأرباح، بل صمَّمَ وأشرفَ على سيارة رودستر بجميع تفاصيلها. وقاد ماسك جولتي تمويل أخرى للشركة في شهري فبراير ومايو من عام 2006، بلغ مجموعهما 53 مليون دولار أمريكي.

  • إعلان غير جدير بالاهتمام..

التاسع عشر من شهر يوليو عام 2006: كشفت تسلا النقاب عن النماذج الأوّلية لسيارتها رودستر في حدثٍ عقد في باركر هانغر في مطار سانتا مونيكا، ولكن لم يشارك فيه سوى 350 شخصاً فقط. لا بأس، فلم يمضِ سوى ستة أعوام على حادثة جنرال موتورز ولم يكن لماسك بريقاً وشهرةً وتأثيراً كما هو عليه اليوم. ولكن هذا لا يعني التوقف، لقد بدأنا للتو.

بعد عامين، قررت تسلا البدء بإنتاج السيارة في شهر مارس عام 2008. كانت السيارة فاخرة إلى حد ما، وتباع بسعر 109 ألف دولار. واستمرّ إنتاجها حتى عام 2012، وبيع منها 2450 سيارة.

  • عامُ الإنهيار..

في ذات العام، في شهر أكتوبر 2008، غادر المؤسسان المشاركان وتولّى ماسك منصب الرئيس التنفيذي للشركة وقام بطرد 25% من موظَّفي الشركة. كان عام 2008 صعباً جداً، بسبب الأزمةِ الماليّة العالميّة، أنفق فيه ماسك جميع أمواله التي جمعها من بايبال، قسَّم ماله على كلتا شركتيه، تسلا وسبيس إكس لإنقاذهما من جحيم الإفلاس. ولكن المغامرة كانت كبيرة جداً، فأمّا أن يضع أمواله في شركة واحدة ويعزز من حصانتها ضد الإفلاس ويترك الأخرى في مهبِّ الريح، أو يضع أمواله في كلتاهما وكلتاهما يكونا في خطر. 

لو كان لديّ طفلين، فبالتأكيد سأقسّم ما أملك عليهما، لا يمكنني التضحية بأحد أطفالي. وهذا ما فعله ماسك الذي لم يكن يملك منزلاً حتى. أمّا يسلم كِلا طفليّ (سبيس إكس وتسلا) أو يموت كلاهما.

لكنه لم يبقى جالساً، طلب ماسك مساعدة لتأمين 40 مليون دولار لحماية تسلا من الإفلاس، وجاء الإنقاذ الثاني بواسطة شركة دايملر، التي منحت تسلا 50 مليون دولار مقابل 10% من أسهم الشركة.

وفي شهر يناير من عام 2010، حصلت تسلا على قرض بقيمة 465 مليون دولار من وزارة الطاقة الأمريكية. نجح ماسك في إنقاذ طفلتيه من تسونامي الإفلاس.

في ذات العام اشترت تسلا مصعناً في فريمونت (كاليفورنيا) بقيمة 42 مليون دولار، واستخدمته لإنتاج الطراز إس.

وفي شهر يونيو 2012، أطلقت تسلا سيارتها الثانية طراز إس سيدان، وفي سبتمبر 2015، طرحت أوّل سيارة رياضية متعددة الأغراض طراز إكس. 

وفي أبريل 2015 كشفت الشركة النقاب عن حزم بطاريات صناعية، وخلال أسبوع واحد تلقَّت طلبات حجز بقيمة 800 مليون دولار. بات لتسلا جمهوراً وعملاء وباتت بينهم ثقة في منتجاتها.

وفي شهر نوفمبر من عام 2016، توسَّعت تسلا بعدما استحوذت على شركة "سولار سيتي"،  التي تقدِّم ألواح شمسيّة (منتجات طاقة نظيفة ومتجدّدة).

البيئة إحدى القضايا التي اهتمَّ بها إيلون ماسك، والتي سبَّبت ما يعده المحللين تلاعباً في سوق العملات الرقميّة المشفّرة، وتحديداً البيتكوين. قامت تسلا بقبول هذه العملة الرقميّة كوسيلة دفع مقابل منتجاتها، وهذا تسبب بارتفاع بقيمة العملة، ثمّ تراجعت عن هذه الخطوة وأضح ماسك أن السبب يعود للأضرار البيئية الناتجة عن تعدين البيتكوين.

عملية التعدين تتم عبر كمبيوترات، هذه الأجهزة تقوم بحل معادلات رياضية، أو تصديق على عمليات التحويل على الشبكة بأكملها. عمليّات التصديق تحمي الشبكة من أيّ تلاعب في السجلات التي تكون منتشرة على جميع الحواسيب المتصلة بشبكة البيتكوين، مما يجعل تزوير معاملة واحدة على البلوكشين أمر مستحيل.

هذه الأجهزة (سواء الكمبيوترات أو أجهزة التعدين المخصَّصة)، تتطلب طاقة كهربائية كبيرة، والتي غالباً ما يكون مصدرها الوقود الأحفوري، طاقة غير نظيفة تضرّ بالبيئة وتساهم بالاحتباس الحراري. هذا يتعارض مع تفكير ماسك فقرر وقف التعامل بالعملة، وتسبب القرار بهبوط قيمة العملة. المحللين عدّوا هذا تلاعباً متعمداً في السوق. بينما قال البعض أن ماسك كشف عن مشكلة كان يعلم بها مسبقاً، فربما خطوته هذه ما هيّ إلا إعلان لشيء قادم. ولم يتم تقديم شيء إلى هذا اليوم.

  • تسلا موتوز تختصر اسمها

في فبراير 2017 اختصرت تسلا موتورز اسمها إلى "تسلا" (Tesla)‏ لتعكس بشكلٍ أفضل نطاق الأعمال الموسَّعة، فلم تعد شركة سيارات فقط بعد الآن. وبدأت تسلا بيع "الطراز 3" في يوليو من نفس العام.

بدأت تسلا جهودها الخيرية وقدمت مساهمات متعددة في الطاقة الشمسيَّة للمناطق التي تتعافى من الكوارث في عام 2017،  وفي يوليو 2018 تبرعت الشركة بمبلغ 37.5 مليون دولار لبرنامج تعليم عبر الإنترنت في نيفادا. وفي يناير 2020 تبرعت تسلا بمبلغ 5 ملايين يوان (723000 دولار) لمركز السيطرة على الأمراض الصيني لمكافحة تفشي فيروس كوفيد-19.

في مارس 2020 بدأت تسلا في تسليم طراز واي كروس. وفي 10 يناير 2020 أصبحت تسلا صانع السيَّارات الأمريكيّ الأكثر قيمة على الإطلاق، برأسمال سوقي قدره 86 مليار دولار. وفي 10 يونيو 2020 تجاوزت القيمة السوقية لشركة تسلا شركات بي إم دبليو و Daimler وفولكس فاجن مجتمعة. وفي الشهر التالي وصلت تسلا إلى رسملة سوقية بلغت 206 مليار دولار، متجاوزةً تويوتا (202 مليار دولار) لتصبح صانع السيَّارات الأكثر قيمة في العالم (سوقياً). وفي 31 أغسطس 2020 تمَّ تقسيم أسهم تسلا بنسبة 5 مقابل 1 بعدَ الزيادة في القيمة.

من يوليو 2019 إلى يونيو 2020 أعلنت شركة تسلا عن أربعة أرباع مربحة على التوالي لأول مرة، ممَّا جعلها مؤهلة للإدراج في قائمة فوربس إس وبي 500. تمَّت إضافة تسلا إلى المؤشر في 21 ديسمبر من نفس العام. وكانت تسلا أكبر شركة تمت إضافتها على الإطلاق وسادس أكبر شركة في المؤشر وقت الإدراج. وبينما حاول المستثمرون شراء المزيد من الأسهم نتيجةً لهذا الإدراج، أقترح بعض المُحللين مثل رايان برينكمان أنَ يتوخى المستثمرون الحذر لأنَّ أسهم تسلا كان مبالغًا فيها "بشكلٍ كبير". واعتبارًا من 21 ديسمبر 2020 أرتفع سعر سهم تسلا بنسبة 700% منذُ بداية العام.

كان طموح تسلا وهدفها المحدد في عام 2020 هو تسليم 500 ألف سيارة كهربائية، ولكنها لم تحقق هذا الهدف، بل سلَّمت 499550، أقل من الهدف بخمسين سيارة فقط.

  • تسلا مستقبل القيادة

كان ماسك يرى تسلا مستقبل القيادة، وقد كتبت العبارة في الموقع الإلكتروني للشركة. تركَّز الكثير من هذا الوعد على الطيار الآلي (نظام القيادة). سيارة تسير وتتحكم بالفرامل وتزيد السرعة وتتخذ موقفاً لوحدها، حلمٌ لطيف.

أصر ماسك على أن الاستقلالية في القيادة يمكن تحقيقها فقط من خلال الكاميرات التي تتعقب محيط السيارة. ولكن لم يتفق معه المهندسون، فكانوا يتساءلون عمّا إذا كانت الكاميرات آمنة بما يكفي للاعتماد عليها دون الاستفادة من أجهزة الاستشعار الأخرى.

أصبحت هذه الأسئلة في صميم تحقيق أجرته الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة بعد ما لا يقل عن 12 حادثاً لسيارات تسلا نتجت عن الطيار الآلي، أسفرت هذه الحوادث عن مقتل شخص وإصابة 17 آخرين.

منذ بدء عمل تسلا على الطيار الآلي، كان هناك توتر بين السلامة ورغبة ماسك في تسويق سياراته كأعاجيب تكنولوجية.

لسنوات، قال ماسك إن سيارات تسلا على وشك الحكم الذاتي الكامل. استمرّ بقطع هذا الوعد.

"جميع سيارات تسلا التي تغادر المصنع تحتوي على جميع الأجهزة اللازمة للاستقلاليّة من المستوى الخامس." إيلون ماسك (2016).

فاجأ هذا البيان بعض العاملين في المشروع وقلقوا منه، لأن جمعية مهندسي السيارات تُعرِّف المستوى خمسة على أنه كامل أتمتة القيادة.

يُـتـبع..



وضع القراءة :
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-