إذن، ليس من المستغرب أن عدداً من الصناعات قد أقرَّت بأهميتها في حاضرنا ومستقبلنا. والبنوك ليست استثناء. وفي هذا المقال سنسهب في التفاصيل.
قبل أن ندخل في أسباب اعتماد البنوك للعملات الرقميّة المشفَّرة، دعونا نناقش بسرعة ما حدث في الماضي في هذا الصدد. بالعودة إلى عام 2014، قبل حدوث طفرة العملات الرقميّة، بدأ المسؤولون التنفيذيون في وول ستريت بالفعل في التفكير في مفهوم الأصول الرقميّة التي تحل محل (أو على الأقل التنافس مع) العطاء القانوني التقليدي.
في حين أن البنوك مركزية ولديها فرد أو مجموعة موثوقة واحدة، تستخدم العملة الرقميّة نظاماً لامركزياً، حيث لا يحتكر شخص واحد جميع البيانات أو قوة الشبكة في أيِّ وقت. ليس الجميع معجبًا بنموذج القوة بأيدي الناس هذا، وبدأت البنوك تشعر بالقلق من أن العملات الرقميّة المشفَّرة تشكل تهديداً.
بناءاً على ذلك وغيره، تحرَّكت العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لحظر ملكية أو بيع أو تعدين العملة المشفرة في محاولة للحفاظ على عملتها الوطنية باعتبارها الشكل الوحيد للمناقصة القانونية. حظرت كل من الصين والجزائر والإكوادور ومقدونيا الشمالية العملات الرقميّة المشفَّرة، مع اتخاذ دول أخرى مثل روسيا وفيتنام خطوات لتضييق الخناق على استخدام العملات الرقميّة.
لقد تعرضت العلاقة بين العملات الرقميَّة المشفَّرة والبنوك للتوتر على نطاق عالمي على أقل تقدير، حتى في البلدان التي تكون فيها العملات قانونية تماماً. وعلى الرغم من ذلك، تقوم بعض البنوك الآن بتغيير وجهات نظرها وقواعدها المتعلِّقة بالعملات الرقميّة المشفّرة، دعونا نناقش سبب تطور الأمور في هذا الاتجاه.
لماذا غيّرت البنوك سلوكها تجاه العملات الرقميّة المشفَّرة؟
1. زيادة الطلب
خُذ الولايات المتحدة الأمريكيَّة على سبيل المثال. وفقاً لـ Gallup، يمتلك 6% من المستثمرين في الدولة عملة البيتكوين. بالطبع، هذا ليس عدداً صغيراً، وبدأت البنوك الآن في قبول أن العملة الرقميَّة المشفَّرة، وبالتالي ستلعب دوراً كبيراً في مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
بنك الولايات المتحدة هو أحد الأمثلة الرئيسية. في أكتوبر من عام 2021، أطلقت الشركة خدمة حفظ البيتكوين لمديري الاستثمار المؤسَّسي. أعلن بنك آخر، Wells Fargo، عن قراره تقديم العملات الرقميَّة المشفَّرة للعملاء الأكثر ثراءاً في مايو.
وبنك Ally، وهو بنك أمريكي صديق للعملات المشفرة يسمح بالتكامل السهل مع حساب Coinbase الخاص بك ولا يتطلب أي حد أدنى لمبالغ الإيداع. من بين العديد من التطورات الأخرى، تمثِّل هذه التطورات التي أجراها هذان البنكان حركة عالمية نحو تبني العملات الرقميَّة المشفَّرة.
لكن التطوّرات لا تنتهي هنا. في يونيو 2021، أعلنت NCR (شركة مدفوعات مؤسَّسيَّة) أنها ستقدم طرق دفع بالعملة المشفَّرة إلى 650 بنكاً أمريكياً. سيؤدي هذا بالتأكيد إلى تغيير اللعبة من حيث كيفية إنفاق العملاء لأموالهم، وربما سيكون مثالاً يحتذى به للمؤسَّسات الأخرى حول كيفية مواكبة الزمن.
الشيء نفسه ينطبق على البلدان الأخرى، مثل المملكة المتحدة. زادت معدلات ملكيَّة العملات الرقميَّة المشفَّرة في البلاد منذ عام 2018، ويهتم جيل الشباب بشكل خاص بالاستثمار في هذه الوسائل. لهذا السبب، أصبح عدداً من البنوك الآن صديقاً للعملات الرقميَّة المشفَّرة، مثل رويال بنك أوف سكوتلاند.
وفي البلدان التي تكون فيها العملات الرقميَّة المشفَّرة قانونيةً وفي حالة ازدياد، فمن المنطقي أن البنوك ترغب في ضمان احتلالها مكانة قويّة في مستقبل اقتصادها الوطني.
2. المناقصات القانونيَّة
حدث هذا التبني الوطني للعملات الرقميَّة المشفَّرة العام الماضي في السلفادور. اعتمدت هذه الدولة الساحلية في أمريكا الوسطى في الغالب على حوالات من المقيمين العاملين في أماكن أخرى. عانت هذه الحوالات من رسوم كبيرة من الوسطاء الماليين، مما أثَّر بشدة على الدخل الخارجي للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع مواطني السلفادور ليس لديهم حتى حسابات بنكيَّة خاصَّة بهم.
الأمر نفسه ينطبق على فنزويلا، وهي دولة أخرى في أمريكا الجنوبية اتخذت مؤخراً خطواتٍ لاعتماد العملة الرقميَّة المشفَّرة. كان دور التضخم المفرط في اقتصاد فنزويلا كارثياً، حيث تآكلت قيمة عملتها الوطنية (البوليفار الفنزويلي) بشكل كبير نتيجةً لذلك. تتمثل إحدى الخطوات التي اتخذتها الحكومة الفنزويلية لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية في إدخال عملة مشفرة تُعرف باسم Petro. لكن حتى الآن، لم يحل هذا مشاكل البلاد.
أطلقت دول أخرى، مثل غرينادا وسانت لوسيا، عملات رقميَّة للمساعدة في التخفيف من المشاكل داخل اقتصاداتها.
3. الربح الوفير
خذ بعين الاعتبار أحد البنوك المذكورة سابقاً، Wells Fargo، كمثال على ذلك. في عام 2021، أعلن Wells Fargo أنه سيقدم الأموال بالعملات الرقميَّة المشفَّرة للعملاء الأكثر ثراءاً بدلاً من جميع العملاء. قد يبدو هذا غير عادل إلى حد ما، وقد يكون كذلك بالتأكيد، لكنه قد يشير أيضاً إلى أن بعض البنوك قد ترغب فقط في التركيز على صناديق العملات الرقميَّة المشفَّرة الأكبر التي يمكن أن تفيدهم كعمل تجاري في الوقت الحالي.
ولكن مع العملات الرقميَّة المشفَّرة، هناك دائماً خطر. على الرغم من أنها يمكن أن تجعل الناس أثرياء للغاية، إلا أنها يمكن أن تتسبب في انهيار كل ذلك في غضون ساعات. لذلك، قد تكون البنوك حذرة من هذه المخاطر، ويمكن أن تقف كحاجز أمام تبني البنوك للعملات الرقميَّة المشفَّرة على نطاق عالمي.
مستقبل العملات الرقميَّة المشفَّرة في الصناعة المصرفيَّة يبدو مشرقاً
مع تزايد عدد البنوك التي تتبنى العملات الرقميَّة المشفَّرة بطريقة أو بأخرى كل عام، ليس هناك شك في أن العملات الرقميَّة المشفَّرة ستستمر في النموِّ داخل الصناعة المصرفيَّة على مدار العقود القادمة.
في يوم من الأيام، ربما نشهد استبدال عملاتنا الوطنية بالعملات الرقميَّة المشفَّرة تماماً. والوقت كفيل بأن يخبرنا بذلك.